background
مقالات

فضل الصلاة في مسجد قباء – قصة أول مسجد بُني في الإسلام

نُشر في ١٢ أكتوبر ٢٠٢٥

مقدمة

في أطراف المدينة المنوّرة، بين بساتين النخيل وسكون الأرض الطيبة، يقف مسجد قباء شامخًا كأنه يروي أول حكاية في تاريخ الإسلام.
هنا نزل النبي ﷺ بعد الهجرة، وهنا وضع بيديه أول حجرٍ في أول مسجدٍ بُني لله على وجه الأرض.

ما فضل الصلاة في مسجد قباء؟

الجواب: الصلاة في مسجد قباء تعدل أجر عمرةٍ كاملةٍ، كما قال النبي ﷺ:

«من تطهّر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاةً كان له كأجر عمرة.»

منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا، ظل هذا المسجد شاهدًا على التقوى والبساطة والصفاء. ليس مجرد جدرانٍ بيضاء، بل قصة إيمانٍ بدأت بخطوةٍ ووضوءٍ وصلاةٍ، واستمر أثرها إلى اليوم.

1. أول مسجد بُني في الإسلام – مسجد أسس على التقوى

قال الله تعالى في سورة التوبة:

«لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ، فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا، وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ.»
(التوبة: 108)

هذه الآية نزلت في مسجد قباء، لتشهد له بأنه أول مسجد أسس على التقوى، ومكانٌ أحبّه الله وفضّله على غيره من المساجد.

وقد جاء في الحديث الشريف:

«من تطهّر في بيته وأتى مسجد قباء فصلى فيه صلاةً فله أجر عمرة.»
(رواه أحمد والترمذي)

كما قال ﷺ:

«من خرج حتى يأتي هذا المسجد — يعني مسجد قباء — فصلى فيه، كان كعدل عمرة

وكان النبي ﷺ يزور المسجد كل يوم سبت راكبًا أو ماشيًا، كما روى عبدالله بن عمر رضي الله عنهما.

2. تأسيس المسجد وبناؤه الأول

صورة تاريخية نادرة لمسجد قباء قبل التوسعات – أول مسجد بُني في الإسلام في بداياته البسيطة

كان النبي ﷺ أول من وضع حجر الأساس بيده الشريفة في قبلة المسجد، فكان يأتي بالحجر قد صهره إلى بطنه فيضعه، ثم يأتي أبو بكر رضي الله عنه بحجر،
ثم عمر رضي الله عنه فيضعه بجانب حجر أبي بكر — مشهد يعكس التلاحم والإخلاص في بناء أول بيت لله في الإسلام.

لما سمع المسلمون في المدينة بخروج النبي ﷺ من مكة، كانوا يخرجون كل يوم إلى الحرة ينتظرونه حتى تشتدّ حرارة الشمس.
فلما وصل ﷺ إلى قرية قباء في شهر ربيع الأول، نزل على كلثوم بن الهدم من بني عمرو بن عوف، وفي مربده أسس رسول الله ﷺ مسجد قباء، أول مسجد في الإسلام.

 3. موقع مسجد قباء

مسجد قباء في المدينة المنورة — أول مسجد بُني في الإسلام بواجهة بيضاء وقباب مميزة

يقع المسجد في الجنوب الغربي من المدينة المنوّرة، ويبعد نحو 3.5 كيلومترات عن المسجد النبوي. وله محراب ومنارة ومنبر رخامي، وفيه بئر تُنسب لأبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، كما يوجد فيه مصلّى النبي ﷺ ومكان مبرك ناقته حين وصل إلى المدينة.

 4. مسجد قباء ومسجد الضرار

بعد تأسيس مسجد قباء، حاول بعض المنافقين بناء مسجد آخر قريب منه يُعرف بـ"مسجد الضرار"، وادعوا أنهم يريدون الخير، لكن الله سبحانه وتعالى أنزل قوله:

«وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ... لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا.»
(التوبة: 107)

فأمر النبي ﷺ بهدمه وإحراقه، ليبقى مسجد قباء وحده رمزًا للمسجد الذي أسس على التقوى منذ أول يوم.

 5. عناية المسلمين بمسجد قباء عبر العصور

اهتم المسلمون بهذا المسجد المبارك منذ صدر الإسلام:

  • عثمان بن عفان رضي الله عنه جدد بناءه.

  • ثم جاء عمر بن عبد العزيز وأضاف له رحبة وأروقة ومئذنة، وهي أول مئذنة تُقام فيه.

  • وفي سنة 435هـ جدده أبو يعلى الحسيني، ثم جمال الدين الأصفهاني سنة 555هـ.

  • سقطت منارته سنة 877هـ، فجددها السلطان قايتباي سنة *881هـ، مع توسعة المسجد النبوي.

  • كما جدده السلطان محمود خان العثماني سنة 1240هـ، وأعيد ترميمه أكثر من مرة في العهد العثماني، آخرها في زمن السلطان عبد المجيد.

ومثلما حَظي مسجد قباء بالعناية منذ الأيام الأولى للإسلام في المدينة المنوّرة، شهدت مناطق أخرى في العالم الإسلامي بدايات مماثلة في تأسيس المساجد الأولى، حيث كشفت التنقيبات الأثرية الحديثة سنة 2025 عن وجود أقدم مسجد معروف في المغرب بمدينة سجلماسة، الذي يعود إلى القرن الثامن الميلادي، في مشهد يعكس كيف انتشر نور بناء المساجد من المدينة إلى المغرب الأقصى، ليجمع بين قباء وسجلماسة خيطًا حضاريًا واحدًا هو: المسجد أول مؤسسة لنهضة الأمة.

 6. التوسعات الحديثة في العهد السعودي

الواجهة الخارجية لمسجد قباء – أول مسجد بُني في الإسلام في المدينة المنورة

في العهد السعودي الحديث، حظي مسجد قباء بعناية كبيرة:

  • جُدّدت جدرانه الخارجية، وزيد فيه من الجهة الشمالية سنة 1388هـ.

  • وفي 1405هـ، أمر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز بإعادة بنائه وتوسيعه عدة أضعاف، مع الحفاظ على طرازه التراثي القديم. تم هدم المبنى القديم وضمّ الأراضي المجاورة من الجهات الأربع، وأُعيد بناؤه بنفس التصميم القديم، ولكن بأربع مآذن جديدة بدلًا من مئذنة واحدة، بارتفاع 47 مترًا لكل منها.

 7. روعة التصميم المعماري

بُني المسجد على شكل رواقين جنوبي وشمالي يفصل بينهما ساحة مكشوفة، يتصلان شرقًا وغربًا برواقين طويلين. ويتألف سطحه من مجموعة من القباب المتصلة، منها 6 قباب كبيرة قطر كل منها 12 مترًا، و56 قبة صغيرة قطر كل منها 6 أمتار، تستند إلى أعمدة ضخمة وأقواس معمارية مدهشة.

كسيت أرض المسجد وساحته بالرخام العاكس للحرارة، وزُوّدت الساحة بمظلات آلية قابلة للطي والنشر مصنوعة من الألياف الزجاجية، توفر الظل للمصلين حسب الحاجة.

بلغت مساحة المصلى وحده 5035 مترًا مربعًا، بينما وصلت مساحة مبنى المسجد ومرافقه إلى 13,500 متر مربع بعد أن كانت 1,600 فقط.

كما أُلحِق به مكتبة ومركز تسوّق صغير لخدمة الزائرين.

8. الأثر الروحي والرمزي لمسجد قباء

مسجد قباء ليس مجرد معلم أثري، بل هو رمز للتقوى والبساطة والبدء الأول للحضارة الإسلامية. فيه نزلت أول بشائر النصر، ومنه انطلقت أولى خطوات بناء المجتمع المدني.

الصلاة فيه ليست عبادة فحسب، بل تذكيرٌ ببداية المسيرة النبوية، حين أسس النبي ﷺ أول بيت يجمع المؤمنين على كلمة الله.

 9. مسجد قباء في الحاضر – الجمع بين الأصالة والحداثة

مسجد قباء ليلاً بإضاءة حديثة – مشهد روحاني يعكس الجمع بين التاريخ والتطوير في المدينة المنورة

في السنوات الأخيرة، شهد المسجد أعمال تطوير حديثة شملت الإنارة بتقنية LED، وتحديث المرافق لتوفير تجربة مريحة للزوار، مع الحفاظ على طابعه الروحي الأصيل.

وبحسب المنصة الرسمية لمشاريع رؤية السعودية 2030، تم إطلاق أكبر توسعة في تاريخ مسجد قباء، تشمل رفع الطاقة الاستيعابية إلى أكثر من 66,000 مصلٍّ، إضافةً إلى تطوير 57 موقعًا تاريخيًا من الآبار والمزارع والمسارات النبوية حول المسجد، ليصبح مركزًا حضاريًا وروحيًا عالميًا يعكس مكانته كأول مسجد في الإسلام.

ومع هذا التوجه نحو التطوير الذكي والتحول الرقمي لخدمة الزوار والمصلين، تبرز أهمية المبادرات الحديثة مثل Masjidbox التي تساعد المساجد على التواصل مع روّادها، وتقديم خدمات ميسّرة وإدارة فعّالة، دون المساس بروحها الدينية والتاريخية.

10. زيارة مسجد قباء – سنة نبوية باقية

صفوف المصلين داخل مسجد قباء – زيارة أول مسجد بني في الإسلام سنة نبوية تعادل أجر عمرة

زيارة مسجد قباء سنة عظيمة يُستحب للمسلم أن يحرص عليها، خصوصًا لمن يزور المدينة المنوّرة، اقتداءً بالنبي ﷺ الذي كان يزور المسجد كل سبت.

في كل مرةٍ تقف فيها بين جدران مسجد قباء، كأنك تلمس التاريخ بيديك، وتشعر أن الدعاء فيه يُسمع قبل أن يُقال.

 حين يلتقي أثر النبوة بروح التجديد

مسجد قباء هو أول مسجد أُسس على التقوى وأول بيت لله في الإسلام، جمع بين التاريخ والإيمان، والبساطة والعمارة، والروحانية والحداثة.
من أول حجرٍ وضعه النبي ﷺ بيده، إلى آخر توسعةٍ تُبنى اليوم لتستقبل آلاف المصلين، يظلّ مسجد قباء شاهدًا على أن الإيمان هو الأساس، وأن المسجد كان — وما زال — قلب المجتمع وروحه.

ومثلما بدأ قباء بيتًا بسيطًا يجمع القلوب على العبادة، تُظهر المبادرات الحديثة — مثل Masjidbox — كيف يمكن للتقنية أن تخدم رسالة المسجد، فتُقرّب الناس منه، وتُحيي روح الاتصال بين المصلين وبيوت الله دون أن تُمس جوهرها الروحي.

فالمساجد تُبنى بالحجر… ولكنها تحيا حين تتصل بقلوب الناس.

مقالات ذات صلة

ما هو أكبر مسجد في العالم؟
مقالات

٠٩ سبتمبر ٢٠٢٥

ما هو أكبر مسجد في العالم؟

ما هو أكبر مسجد في العالم؟ اكتشف المسجد الحرام في مكة المكرمة وترتيب أكبر المساجد في العالم بين التاريخ والابتكار.